آخر المواضيع

الجمعة، 7 مارس 2014

فضل صلاة الجماعة وَحُكْمُها

فضل صلاة الجماعة:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صَلاة الرَّجُل في جماعةٍ تَضْعُفُ على صلاته في بيته وفي سُوقِهِ خمسًا وعشرين ضِعْفًا؛ وذلك أنَّه إذا توضَّأ فأحسنَ الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يُخْرِجه إلاَّ الصلاة، لم يَخْطُ خطوةً إلاَّ رُفِعَتْ له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى لَم تزَل الملائكة تُصلِّي عليه ما دام في مُصلاَّه، تقول: "اللَّهم صلِّ عليه، اللَّهم ارحمه"، - وفي رواية: ((ما لم يُحْدِث فيه، ما لم يُؤْذِ فيه)) - ولا يزال أحدكم في صلاةٍ ما انتظرَ الصلاة))[2] (يعني أنه عند جلوسه بين الأذان والإقامة منتظراً الصلاة، وكذلك إذا جلس بعد صلاة المغرب في المسجد منتظراً صلاة العشاء فإنه يكون له نفس أجر الصلاة طالما أنه منتظراً الصلاة).

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
"مَن سَرَّه أن يَلْقى الله غدًا مُسلِمًا، فلْيُحافظ على هؤلاء الصَّلواتِ حيثُ يُنادَى بهن؛ فإنَّ الله تعالى شرع لنبيِّكم سننَ الهدى، وإنَّهن من سُنن الهدى، ولو أنَّكم صليتم في بيوتكم كما يُصلِّي هذا المتخلِّف في بيته - (يعني المتخلف عن الجماعة)- ، لترَكْتم سُنَّة نبيِّكم، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضَللتم، وما من رجل يتطهَّر فيُحسِن الطُّهور، ثم يَعْمَدُ إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلاَّ كتب الله له بكلِّ خطوةٍ يَخْطوها حسَنة، ويرفعه بها درَجة، وَيَحُطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها - (يعني عن الصلاة في المسجد) - إلاَّ منافق معلومٌ النِّفاق، ولقد كان الرَّجل يُؤتَى به يُهاَدى بين الرجلين -(يعني يُمسكه رَجُلان من جانبَيْه يعتمد عليهما) -  حتَّى يُقام في الصَّف"[3].

 وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن توضَّأ فأسبغَ الوضوء، ثُم مشى إلى صلاةٍ مكتوبة، فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ذنبُه))[4].

 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن غَدَا إلى المَسجدِ أو راح أعَدّ الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أو راح) [5](يعني كلما ذهب إلى المسجد أو عادَ منه).

وقد وردَتْ أحاديثُ في فضيلة الجَماعة لصلاة الصُّبح والعشاء خاصَّة:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن صلَّى العشاء في جماعةٍ، فكأنَّما قام نصف الليل، ومن صلَّى الصُّبح في جماعةٍ، فكأنَّما صلَّى الليل كلَّه))[6]، وفي رواية أبي داود: ((ومن صلَّى العشاء والفجر في جماعةٍ كان كقيام الليل)) (بمعنى أن صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام نصف الليل، وصلاة الفجر في جماعة تعدل قيام النصف الآخر).

وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بَشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنُّور التامِّ يوم القيامة))[7].

الترهيب مِن تَرْك الجماعة:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من ثلاثةٍ في قرية ولا بَدْو لا تُقام فيهم الصَّلاة إلاَّ استحوذَ عليهم الشَّيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنَّما يأكل الذِّئب القاصيةَ -  (أي: المنفرِدة من الغنم) ))[8].

- ملاحظات هامة:
(أ) كُلَّما كَثُرَ الجَمْع في الصلاة؛ كُلَّمَا كان ذلك أزكَى وأطيَبَ؛ فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلاة الرَّجُلين يؤمُّ أحدُهُما صاحِبَه أزكى عند الله من صلاة أربعةٍ تَتْرى - (يعنى فُرَادَى، كُلٌ بمفرده) - ، وصلاة أربعةٍ أزكى عند الله من صلاة ثمانيةٍ تَتْرى، وصلاة ثمانيةٍ يؤمُّهم أحدهم أزكى عند الله مِن صلاة مائةٍ تَتْرى))[9].

(ب) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الأفضل أن تُصلِّي فيما حولك من المساجد؛ لأنَّ هذا سببٌ لعمارته، إلاَّ أن يَمْتاز أحد المساجد بخاصيَّة فيه فيُقدَّم؛ كما لو كنتَ في المدينة أو كنتَ في مكَّة، فإن الأفضل أن تصلِّي في المسجد الحرام في مكَّة، والمسجد النبوي في المدينة" [10].

وقال:"فالحاصل أن تُصلِّي في مسجد الحيِّ الَّذي أنت فيه؛ سواءٌ كان أكثر جماعة أو أقل.."[11] ؛ يعني فهذا أفضل مِن أنْ تصلي في مسجد آخر بعيد عن حَيِّك.

(ج) إذا كان إمامُ المسجد الأبعدِ أحسنَ قراءةٍ، أو أخشَع؛ فإنَّه يَجوز له أن ينتقل إليه، بل هذا هو الأفضل؛ لأنَّ مُراعاة الفَضْل المتعلِّق بالعبادة يعني كالخشوع واتباع السُنَّة - أوْلَى مِن مُراعاة الفضل المتعلِّق بِمَكانها[12].

(د) يُلاحَظ أنه إذا كان في صحراء، فإنَّه يُؤذِّن ويُقيم ويُصلِّي، وقد ورد التَّرغيب في ذلك:
فقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الصَّلاة في جماعةٍ تَعْدل خَمْسًا وعشرين صلاة، فإذا صلاَّها في فلاةٍ - (يعني في صحراء) - فأتَمَّ رُكوعَها وسجودها، بلغَتْ خمسين صلاة))[13].

وقال النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يَعْجب ربُّك من راعي غنم، في رأس شَظِيّة، يؤذِّن بالصلاة، ويصلِّي، - (والشظية: قطعة تَنْقطع من الجبَل، ولَم تنفصل عنه) -  فيقول الله عزَّ وجلَّ: انظروا إلى عَبْدي هذا، يُؤذِّن ويقيم الصَّلاة؛ يخاف مني، قد غفرتُ لعبدي وأدخلتُه الجنَّة))[14].

وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا كان الرَّجلُ بأرض قِـيٍّ - (يعني صحراء) - فحانَت الصَّلاة، فلْيَتوضَّأ، فإن لَم يَجِدْ ماءً فليتيمَّم، فإن أقام صلَّى معه ملَكاه، وإن أذَّنَ وأقام صلَّى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرَفاه))[15] (يعني لا يُرَى حدوده، بسبب كثرته).

(هـ) اعلم - رحمك الله - أن المقصود بالجماعة التي يَحْصل لها الثَّواب هي الجماعة التي تُصَلِّي في المسجد.

قال الحافظ ابن حجَر:
"أصل المشروعيَّة إنَّما كان في جماعة المَساجد، وهو وَصْفٌ مُعْتَبَر، لا ينبغي إلغاؤه، فيَختصُّ به المسجد، وَيُلحَق به ما في معناه مِمَّا يحصل به إظهار الشِعار - كالأذان والإقامة [16]، والظاهر من قوله: "ما في معناه" أي: جماعة ليس لدَيْهم مسجد، أو مَعْذورون شرعًا عن الذَّهاب إلى المسجد، مثل مَن حُبِسُوا في مكان معين، أو مجموعة من المَرضَى في مستشفى، أو غير ذلك والله أعلم.

مِن آداب الذَّهاب إلى المسجد ما يلي:
 يُستَحَبّ أن يَأتي الصلاة ماشيًا عليه السَّكينة، غير ساعٍ ولا مُهَرول، حتَّى لو سَمِع إقامة الصَّلاة، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا أُقيمَتِ الصَّلاة، فلا تأتوها تَسْعون، وأْتُوها تَمْشون، وعليكم السَّكينة، فما أدركتُم فصَلُّوا، وما فاتَكُم فأتِمُّوا))[17]، وعلى هذا؛ فما يَفْعله كثيرٌ من النَّاس من الإسراع والجري والهرولة؛ لإدراك الإمام - مُخالفٌ لِهذا الحديث، وهو من الأخطاء الشَّائعة.

ومن الآداب: أنه إذا خرجَ من بيته يَنْوي الجماعة، فإنَّه إنْ نَوَى الجماعة، ولَم يَكُن منه تَهاوُن في تأخيره، ثُمَّ ذهب إلى المسجد، فوجدَهم قد أتَمُّوا الصَّلاة، كُتِب له أجر الجماعة، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن توضَّأ فأحسنَ وُضوءه، ثم راح فوجدَ النَّاس قد صلَّوا، أعطاه الله عزَّ وجلَّ مِثْل أجر مَن صلاَّهاوحضَرَها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا))[18] (وكذلك ينبغي ألاّ يُفرقِع أصابعه وهو يصلي أو حتى بعد الصلاة، وذلك  حتى لا يُشغِل المُصَلين بهذا الصوت).

ومن الآداب: ألاَّ يشبِّك بين أصابعه حتَّى يرجع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا توضَّأ أحَدُكم في بيته، ثُمَّ أتى المَسْجد، كان في صلاةٍ حتَّى يرجع، فلا يقل هكذا - يعني فلا يفعل هكذا - وشبَّك بين أصابعِه)[19].

ومن الآداب: الجُلوس بعد الصَّلاة، للحديث المتقدم في فضل ذلك.

وهناك العديد من الفضائل التي تُبَيِّن عِظَم ثواب مَن حضرَ الجماعة، نقَّحَها الحافظُ ابن حجر[20]، نذكر منها:
(1) إجابة المُؤذِّن بنِيَّة الصلاة في جماعة.
(2) التَّبْكير إليها في أوَّل وقْتِها.
(3) المشي إلى المسجد بالسَّكينة، فيُرْفَع له درجة، ويُحَط عنه خطيئة.
(4) دخول المسجد داعيًا (يقصد دعاء دخول المسجد: (بسم الله، والسلامُ على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)[21].
(5) صلاة التَّحية عند دخوله المسجد.
(6) انتظار الجَماعة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أحدكم في صلاةٍ ما كانت الصلاة تحبسه) [22]
(7) صلاة الملائكة عليه - (أي: دعاؤهم له) - واستغفارهم له.
(8) شهادتهم له (يوم القيامة).
(9) إجابة الإقامة.
(10) السَّلامة من الشيطان حين يفِرُّ عند الإقامة.
(11) الوقوف منتظرًا إحرام الإمام، أو الدُّخول معه في أيِّ هيئة وجَدَه عليها، وذلك اتباعاً للسُنَّة، وامنثالاً لأمر النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا جِئْتُم إلى الصَّلاة ونحن سجود فاسْجُدوا، ولا تعدُّوها شيئًا، ومن أدرك الرَّكعة فقد أدرك الصلاة))[23].
(12) إدراك تكبيرة الإحرام فقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن صلَّى لله أربعين يومًا في جماعة، يُدْرِك التكبيرة الأولى كتب له براءتان؛ براءة من النار، وبراءة من النِّفاق))[24].
(13) تسوية الصفوف وسَدُّ الفُرَج.
(14) جواب الإمام عند قوله: "سمع الله لمن حَمِدَه".
(15) الأمن من السَّهو غالبًا، وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح، وكذلك بالفَتْح عليه إذا أُشْكِلَ عليه أثناء القراءة.
(16) حصول الخُشوع والسَّلامة عما يُلْهِي غالبًا.
(17) تحسين الهيئة للصلاة غالبًا.
(18) احتفاف الملائكة به.
(19) التدرُّب على تجويد القرآن وتعلُّم الأركان.
(20) إظهار شعائر الإسلام.
(21) إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل.
(22) السَّلامة من صِفَة النِّفاق، ومن إساءة غَيْره الظنَّ به بأنَّه ترَك الصَّلاة رأسًا.
(23) الانتِفاع باجتماعهم على الدُّعاء والذِّكْر، وَعَوْد بركة الكامل على الناقص.
(24) قيام نظام الأُلْفة بين الجيران وحصول تَعاهدهم في أوقات الصَّلوات.
(25) الإنصات عند قراءة الإمام.
(26) التَّأمين عند تأمين الإمام؛ لِيُوافق تأمين الملائكة، حتى يُغفَر له ما تقدم من ذنبه.

حُكْم صلاة الجماعة:
اعلم - رحمك الله - أنه قد اختلفَ أهلُ العلم في حُكْم صلاة الجَماعة على أربعة أقوال: فمِنْهم مَن يرى أنَّها سُنَّة مؤكَّدة، ومِنهم مَن يرى أنَّها فرضُ كفاية (يعني إذا قامَ به البعض.. سقطَ عن الكُلّ)، ومنهم من يرى أنَّها فرض عينٍ، ومنهم من يرى أنَّها شرطٌ لصِحَّة الصلاة.

 والراجح من ذلك كلِّه القولُ الثالث بأنَّ صلاة الجماعة فرضُ عين لمن سمع النِّداء ولم يَمْنعه من حضورها مانعٌ شرعي، على ما يأتي تفصيلُه - إن شاء الله تعالى.

والأدلَّة على وُجوبها كثيرةٌ، نَذْكر منها:
(أ) قال النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاة فتُقام، ثم آمُرَ رجلاً فيصلِّي بالناس، ثم أنطلق معي برجالٍ معهم حُزَم من حَطَب إلى قومٍ لا يَشْهدون الصَّلاة، فأحرق عليهم بيوتَهم))[25].

ومعلومٌ أن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يهمُّ بهذه العقوبة إلاَّ لأمرٍ واجب، وأمَّا كونه لم يفعل؛ فلأنَّ هناك أصحابَ الأعذار الَّذين لا يستحقُّون هذه العقوبة، والله أعلم.

(ب) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله، ليس لي قائدٌ يَقودني إلى المسجد، فسألَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُرخِّص له فيصلِّي في بيته، فرخَّصَ له، فلَمَّا وَلَّى - (أي: فلما ذهبَ الرجل الأعمى) - دعاه، فقال: ((هل تَسْمع النِّداء - (أي الأذان)؟))، قال: نعم، قال: ((فأَجِب))[26].

فإذا كان الأعمى - الذي ليس له قائدٌ يقوده إلى المسجد - لم يُرَخَّص له في أن يصلي في بيته فهل سَيُرَخَّص لِمَن دونَ ذلك؟!

صلاة الجماعة للنِّساء:
اعلم أن الحكم السَّابق خاصٌّ بالرِّجال دون النِّساء، فلا يلزمهن الحضورُ للمسجد على سبيل "الوجوب"، ولكن "يَجوزلهنَّ الحضور وشهود الجماعة؛ بشرط أن يتجنَّبْن التبَرُّج والتطيُّب.

ويُلاحَظ في ذلك بعض الأمور:
(1) لا يجوز للرِّجال أن يَمنعوا النِّساء من شُهود الجماعة إذا خرَجْن مُراعِياتٍ للآداب الشرعيَّة، سواء كانت المرأة شابَّة أو عجوزًا، قال النوويُّ في "شرح مسلم": "... لا تُمنَع المَسْجد، لكن بشروطٍ ذكَرَها العلماء، مأخوذةٍ عن الأحاديث، وهي أنْ لا تكون متطيِّبة، ولا متزيِّنة، ولا ذاتَ خلاخل يُسمَع صوتها، ولا ثيابٍ فاخرة، ولا مختلطة بالرِّجال"[27]، ورَجَّح الشيخ ابنُ عثيمين أنَّه يَحْرُمُ على الولِيِّ أن يَمْنع المرأة إذا أرادَت الذَّهاب إلى المسجد لتصلِّي مع المسلمين[28]، ولكنْ يَجوز؛ بل يَجِب على الولِيِّ إذا خرجَت المرأة متطيِّبة أن يَمْنعها من الخُروج.

(2) ذهبَ جُمهور أهل العلم إلى أنَّ الأفضل لهنَّ الصَّلاةُ في بيوتهن؛ لِمَا ثبتَ في الحديث أن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تَمْنَعوا نساءكم المَساجد، وبيوتُهنَّ خيْرٌ لَهُنَّ))[29].

(3) هذا الحُكم - وهو جواز حُضورِهن المساجد - عامٌّ؛ حتَّى في صلاة الصُّبح والعشاء، فقد كان النِّساء يشهَدْن صلاة الصُّبح مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم ينصَرِفْن مُتَلَفِّعَّاتٍ بِمُروطهن - يعني تَلِفّ إحداهُنّ جسدها ووجهها بشيءٍ مثل العَباءة أو الملحفة أو ما شابَهَ ذلك، وذلك زيادة في السِتر - لا يعرفهنَّ أحدٌ منالغلس[30]، و"الغلس"هو: بقايا الظَّلام، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أيُّما امرأةٍ أصابَتْ بُخورًا، فلا تشهد معَنا العشاء الآخِرَة))[31].

(4) إذا عَلِمْتَ أنَّ صلاة المرأة في بيتها أفضل، فهل المُستحَبُّ أن تُصلِّيها جماعةً؛ أيْ: مع نسوةٍ معها؟
الجواب: نعَم، يُستَحَبّ ذلك؛ وذلك لِعُموم الحديث: ((تَفْضُلُ صلاة الجماعة على صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجة ))، ولِمَا ثبت أن عائشة رضي الله عنها أمَّت النِّساء وقامَتْ وسطَهنَّ في صلاةٍ مكتوبة، وكذلك ثبتَ عن أُمِّ سلمة رضي الله عنها[32].

(5) هل تجهر المرأة إذا أمَّت؟
ثبت أنَّ عائشة رضي الله عنها "أمَّت نساءً في الفريضة في المَغْرِب، وقامت وسطهنَّ، وجهرَتْ بالقراءة"[33]، ففيه جوازُ الجَهْر بالقراءة، لكن قيَّد ذلك ابنُ قُدامة إذا لم يَكُن هناك رجالٌ أجانب عنها (يعني ليسوا من محارمها)، فقال: "وتَجْهر في صلاة الجهر، وإن كان ثَمّ رجالٌ لا تجهر، إلاَّ أن يكونوا مِن مَحارمها، فلا بأس"[34].

(6) إذا أمَّت المرأةُ النِّساء، وقفَتْ وَسَطَهُن (يعني لا تتقدم عنهم، بل تكون بحذائهنَّ)؛ وذلك لِمَا تقدَّمَ مِنْ فعل عائشة وأُمِّ سَلَمَة، وليس هناك مُخالِفٌ لَهُنّ، ويُلاحَظ أن المرأة إن لم تجد مَن تصلي معها جماعة فإنها تحتسب أجر الجماعة.

(7) قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خيرُ صفوف الرِّجال أوَّلُها، وشرُّها آخرها، وخير صفوف النِّساء آخرها، وشرُّها أوَّلُها))[35]، ومعنى شرها: أي أقلها في الأجر والفضل، وأقربها للفتنة، قال الشيخ عادل العزّازي: (والعِلَّة في ذلك حتَّى يَكُنَّ أبعدَ عن رؤية الرِّجال ومُخالَطتِهم وسَماع كلامهم)[36] ، قال النووي رحمه الله: "قد ذكَرْنا أنه يُستَحَبّ الصَّف الأول، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه إلى آخرها، وهذا الحُكم مستمرٌّ في صفوف الرجال بكلِّ حال، وكذا في صفوف النِّساء المنفردات بجماعتهنَّ عن جماعة الرِّجال، أمَّا إذا صلَّت النِّساء مع الرِّجال جماعةً واحدة، وليس بينهما حائلٌ، فأفضَلُ صفوف النِّساء آخرها"[37].

(8) يُخصَّص للنِّساء بابٌ يَدْخُلن منه المسجد؛ لِمَا ثبتَ في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:)) لو ترَكْنا هذا الباب للنِّساء))، فما دخَلَ من ذلك البابِ ابنُ عمر حتَّى مات[38].

"التلخيص على مسؤولية الكاتب"


[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).
[2] البخاري (477)، (647)، ومسلم (649)، وأبو داود (559)، والترمذي (603)، وابن ماجه (281)، (786).
[3] مسلم (654)، وأبو داود (550)، والنسائي (2/ 108)، وابن ماجه (777).
[4] صحيح: رواه ابن خزيمة (1489)، وأحمد (1/ 67).
[5] (رواه مسلم 1556).
[6] مسلم (656)، وأبو داود (555)، والترمذي (221).
[7] صحيح: رواه ابن ماجه (780)، وابن خزيمة (1498)، وله شاهد من حديث بريدة رواه أبو داود (561)، والترمذي (223).
[8] حسن: رواه أبو داود (547)، والنسائي (2/ 106).
[9] رواه الحاكم (3/ 685)، والبيهقي (3/ 61)، والطبراني في "الكبير" (19/ 36)، وقال الألباني: حسَنٌ لِغَيره، وقال المنذريُّ: إسناده لا بأس به، وصحَّحه الشيخ الألبانيُّ في "الصحيحة" (1912).
[10] "الشرح الممتع" (4/ 114 - 115).
[11] انظر لذلك "الشرح الممتع" (4/ 116).
[12] انظر لذلك: "الشرح الممتع" (4/ 116).
[13] صحيح: رواه أبو داود (560)، والحاكم (1/ 208)، وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (3871).
[14] صحيح: رواه أبو داود (1203)، والنسائي (2/ 20)، وأحمد (4/ 157).
[15] صحيح: رواه عبدالرزاق (1/ 510 - 511)، والطبراني في "الكبير" (8/ 305/ 6120)، وصححه الألباني "انظر صحيح الترغيب 249".
[16] "فتح الباري" (2/ 136).
[17] البخاري (636)، ومسلم (602)، وأبو داود (572)، والترمذي (327).
[18] صحيح: رواه أبو داود (564)، والنسائي (2/ 111)، وأحمد (2/ 380).
[19] صحيح: رواه ابن خزيمة (439)، ورواه الحاكم (1/ 206)، وصححه، ووافقه الذهبي. وله شاهدٌ من حديث كَعْب بن عُجْرة؛ رواه أبو داود (562).
[20] انظر فتح الباري (2/ 133).
[21] انظر حديث رقم: 4716 / 1 في صحيح الجامع.
[22] (انظر صحيح سنن أبي داوود).
[23] .(رواه أبو داود (893) بإسناد حسن).
[24] رواه الترمذي (241)، وحسنه الألباني (الصحيحة 1979، 2652).
[25] البخاري (644)، ومسلم (651)، واللفظ له، وأبو داود (548)، (549)، وابن ماجه (791).
[26] مسلم (653)، والنَّسائي (2/ 109).
[27] شرح مسلم" للنووي (4/ 161).
[28] "الشرح الممتع" (4/ 254).
[29] صحيح: رواه أبو داود (567). وأصل الحديث في الصحيحين دون قوله: ((وبيوتهن خير لهن).
[30] البخاري (372، 578)، ومسلم (645)، وأبو داود (423)، والترمذي (153)، والنَّسائي (1/ 371)، وابن ماجه (669).
[31] مسلم (444)، وأبو داود (4175)، والنسائي (8/ 154).
[32] صحيح لغيره: رواه ابن حزم في "المحلى" (4/ 309 - 311)، ورواه عبدالرزَّاق (3/ 140 - 141)، والدارقطني (1/ 404 - 405).
[33] "المحلَّى" (4/ 309).
[34] "المُغْنِي" (2/ 202).
[35] مسلم (440)، ورواه أبو داود (678)، والترمذي (224)، والنَّسائي (3/ 93).
[36] "المجموع" (4/ 301).
[37] انظر "شرح النووي"، و"سُبل السلام" (1/ 429)، و"نَيْل الأوطار" (3/ 184).
[38] صحيح: أبو داود (462)، والطبراني في "الأوسط" (1/ 303)، وابن حزم في "المحلى" (3/ 177).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Adbox