آخر المواضيع

السبت، 1 فبراير 2014

ملتزمون أخلاقيا بسكن لكل جزائري محتاج

7 شركات فقط قادرة على بناء أزيد من 1500 سكن سنويا

65 % من سكان الجزائر يعيشون في المدن

يتحدث وزير السكن والعمران والمدينة الجزائري، عبد المجيد تبون، في الحوار الذي خص به جريدة “الشروق”، عن الجهد الذي تبذله الحكومة للقضاء على مشكلة العجز الهيكلي في المساكن، ويكشف أنالجزائر شرعت في إعادة بناء قدرات محلية للإنجاز بالاعتماد على مشاريع شراكة، مع التركيز على الاستفادة من جميع الخبرات التي توفرت في هذا المجال على المستوى الوطني الدولي.
“الشروق” ــ تسعى الحكومة للقضاء نهائيا على أزمة الإسكان، من خلال برامج خماسية، نريد بالمناسبة إطلاعنا على الإستراتيجية المعتمدة، وما هي الميزانية التي رصدتها الحكومة للقطاع؟
أولا، يجب وضع إشكالية السكن في الجزائر في سياقها الحقيقي، يجب القول إن الجزائر لا تعاني لوحدها من مشكلة السكن، اليوم، العالم كله بما فيه الدول الكبرى تعاني من هذه المشكلة، فعندما نأخذ اليوم ــ مثلا ــ العاصمة الفرنسية باريس، نجد أن هناك تفكيرا في الاستيلاء على الشقق الفارغة وتسليمها للمواطنين المحتاجين فعلا لسكنات.
عمدة باريس مثلا، يقول إن الإجابة على طلب سكن في العاصمة باريس يتطلب 01 إلى 51 عاما من الانتظار، بما في ذلك تصريح الوزيرة الفرنسية المكلفة بالسكن، التي أقرت أن 3 ملايين فرنسي يعانون من وضع مزر في السكن، وتصريح الوزير الأول الفرنسي، بأن فرنسا تعاني من عجز في السكن يقدر بـ10 ملايين وحدة سكنية، إذن نسمح لأنفسنا بالقول أن المشكل عالمي، ومع ذلك ترفض الدولة الجزائرية، البقاء في وضع المتفرج من منطلق مبادئ نوفمبر التي أسست لدولة اجتماعية ديمقراطية.
اليوم، جميع دول منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط تعاني من أزمة الإسكان، ولكن التعاطي معها يختلف عن طريقة تعاطي الجزائر مع الموضوع، حيث قررت الجزائر العمل على توفير السكن لكل مواطن يستحق السكن، لأنها كما قلت في البداية دولة اجتماعية، والتكفل بالحاجيات الاجتماعية للسكان هو الذي قاد عام 1963، لإجراء أول إحصاء عام للسكن والسكان لمعرفة هذه الاحتياجات وتلبيتها.
ولكن ما زاد الطين بلة هو الأزمة الاقتصادية للعام 1986، التي رهنت قدراتها في مجال الإنجاز وتمويل الطلب الاجتماعي، وخاصة الاحتياجات الأساسية وعلى رأسها السكن، قبل اشتداد الأزمة بداية من العام 1992، مع انفجار الأزمة الأمنية، قبل أن تجد الجزائر نفسها تحت رحمة المؤسسات المالية الدولية بداية من العام 1991، وكانت من اشتراطات المؤسسات المالية الدولية، وقف تمويل القطاعات الاجتماعية ومنها برامج السكن.
بالعودة إلى الأزمة الأمنية، نلاحظ أن الجزائر شهدت خلال التسعينيات عملية نزوح جماعي لأزيد من مليون عائلة من القرى نحو المدن طلبا للأمن، وهروبا من الاعتداءات الإرهابية، وهي أكبر عملية نزوح داخلي بعد العملية الأولى التي عرفتها الجزائر عام 1962.
وهنا يحب الإشارة إلى أن جحيم الإرهاب خلال التسعينايت تسبب في قلب هرم ديموغرافية السكن في البلاد، فبعد أن كان 56٪ من السكان يتمركزون في الأرياف، انقلب الهرم وأصبح 56٪ من سكان البلاد يعيشون في المدن، مقابل 53 ٪ فقط في الأرياف عام 2000، وهو سبب الضغط الرهيب على الميزانية، جراء المشاكل المرتبطة بإدارة المدن وتسييرها، وخاصة أن النزوح الذي عانته البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي كان لأسباب قاهرة، أي أنه نزوح إجباري تحت تهديد الإرهابيين.
اليوم بعد حوالي 51 عاما من استعادة الاستقرار، أصبح الجيل الجديد يرفض الهجرة العكسية، مما فرض على السلطات التعامل مع الأمر الواقع، وأصبح الطلب في المدن يفوق قدرات الدولة، وأصبحت الحكومة أمام خيارين أحلاهما مر، إما القبول بالعشوائيات وسكنات الصفيح، أو تحمّل المسؤولية وبناء سكنات لائقة للجزائريين، وهو الخيار الذي أخذته الدولة على عاتقها لصيانة كرامة المواطنين.
من يتحدث عن ملايين في مجال العجز هو واهم، فعندما نعود إلى الإحصاء العام للسكن والسكان للعام 1963، نجد أن عدد السكنات في الجزائر وقتها يبلغ 1.78 مليون مسكن بما فيها السكنات التي تركها الأوروبيون، بعد 50 عاما من الاستقلال، بلغ عدد السكنات في الجزائر حوالي 8 ملايين مسكن.
الجزائر المستقلة أنجزت حوالي 3.6 مليون مسكن، ومع ذلك نواصل اليوم الحديث عن ضرورة تلبية الحاجة القائمة.
منذ تعييني على رأس وزارة السكن، قمت بوضع دراسة مستفيضة للقطاع، وقمت بتصنيف الاحتياجات الحقيقية على مستوى 1451 بلدية، من كل الصيغ بهدف تحديد الطلب الحقيقي، والعجز الحقيقي والمحتاجين الفعليّين للسكن للمرة الأولى منذ الاستقلال، وهو المسح الذي مكّن الحكومة من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بقدرات الإنجاز، وسمح لنا المسح بمعرفة أن العجز الحقيقي لا يتعدى في مجال المساكن 729 ألف وحدة سكنية بعد إنجاز 07 ٪ من المخطط الخماسي الثاني، والبرنامج التكميلي لمناطق الجنوب.

يسري اعتقاد على نطاق واسع، أن مشكل السكن في الجزائر غير مرتبط بالقدرات المالية، إنما هناك عجز في مجال قدرات الإنجاز المحلية، ما هي القدرات الفعلية للبلد في مجال الإنجاز، وما هي الآليات المعتمدة للاستفادة من قدرات الإنجاز الأجنبية؟
بصراحة الجزائر دولة ترفض تغطية الشمس بالغربال، وهي دولة تفضّل مواجهة المشاكل الحقيقية وليس القفز فوقها، اليوم نحن لا نتوفر على قدرات إنجاز تليق بدولة في مقام الجزائر لأسباب تاريخية، ومنها الأزمة الاقتصادية للعام 1986، التي حطّمت جميع قدرات الإنجاز التي كانت تتوفر عليها البلاد. وهنا يمكن الإضافة أيضا أن الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد أتت على ما تبقى من تلك القدرات، بعد أن تمكنت الجزائر من بناء شركات إنجاز قوية بين الاستقلال والعام 1985.
ولكن اليوم يمكن القول أن الجزائر في عملية إعادة بناء قدرات الإنجاز الوطنية، وبناء مؤسسات قادرة على بناء آلاف الوحدات في العام، والقادرة أيضا خلال سنوات قليلة قادمة، على تصدير خبراتها والتوسع في الأسواق الخارجية.
هنا يمكن القول أن الجزائر تتوفر على تجربة رائدة عالميا في مجال السكن الاجتماعي، لأنه لا توجد ــ حسب علمي ــ دولة في العالم تبني مئات آلاف الوحدات السكنية وتمنحها بالمجان لمواطنيها.
اليوم الجزائر تتوفر على قدرة إنجاز لا تتجاوز 80 ألف وحدة في العام من كل الأصناف، ونحن ملزمون بإنجاز 250 ألف وحدة لامتصاص العجز في أقصر مدة ممكنة، وهو سبب فتح الباب للاستفادة من قدرات الإنجاز الأجنبية، حيث دخلنا في مفاوضات لإنشاء قائمة قصيرة للشركات الأجنبية التي تتمتع بسمعة دولية، والقادرة على العمل في الجزائر لبناء هذه المشاريع، وهو ما نجم عنه تحديد قائمة من 60 شركة عالمية بهدف تحقيق تدارك العجز، والاطلاع على تقنيات الإنجاز الحديثة في العالم، والاستفادة منها في مجال إعادة بناء قدرات إنجاز وطنية بمعايير دولية لإقامة صناعة سكن حقيقية تحقق المردودية بمعايير اقتصادية، لأن الجزائر تتجه نحو بلوغ 60 مليون نسمة في العام 2040 ، مما يتطلب قدرات محلية للإنجاز وبمعايير العصر.

كثيرا ما توجه انتقادات للمقاولات المحلية التي تعتبر متخلّفة، أين يكمن الخلل برأيكم؟
تتوفر الجزائر حاليا على حوالي 5700 مقاولة تعمل في مجال البناء، 58٪ منها غير قادرة على إنجاز أكثر من 50 وحدة سكنية في العام، أي أنها مقاولات صغيرة جدا لا يتعدى تأهيلها الدرجة 3 على سلّم يتراوح بين 1 و 9 درجات.
في الجزائر حاليا 58٪ من مقاولات البناء تصنيفها بين 1و3 ، أما عدد الشركات المصنّفة بين 7 و9 لا يفوق عددها 51 مقاولة، أما المقاولات المصنّفة في الدرجة 9 لا يتعدى عددها 7 مقاولات ضخمة قادرة على إنجاز أكثر من 1500 وحدة سكنية في العام.
هذه هي الحقيقة، الشركات الضخمة يمكن عدّها على أصابع اليد الواحدة.

الأرقام الرسمية تقول أن الجزائر تحتاج لإنجاز حوالي 300 ألف وحدة سكنية سنويا لتدارك العجز، هل يمكن معرفة معدلات شغل المساكن في الجزائر بالمقارنة مع المعدل العالمي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Adbox