آخر المواضيع

الأحد، 2 مارس 2014

المشروع الإسلامي.. إلى أين، وأين الخلل؟

تساؤلات طفت الى السطح بعد صعود الاسلاميين الى السلطة في عدة دول






قد يبدو العنوان غريبا، فإذا أصبح المشروع الإسلامي مشروع سلطة فهو اليوم في قمّة النجاح. أما إذا كان مشروع نهضة وإصلاح كما بدأ وكما ينبغي أن يعود، فهو في مأزق تاريخي لم تزده السلطة إلا تعقيدا، ولا مفرّ من صياغة جديدة للمشروع وتأسيس جديد للحركة. طبعا الحديث هنا عن اجتهادات وجهود بشرية، فالإسلام قادر دوما على استنهاض الشعوب وإصلاح أوضاعهم، وقد غيّر وجه الأرض ومجرى التاريخ في بضعة عقود وفي أسوأ الظروف، فما أبقى عذرا لأحد. ولأن مرجعية المشروع الإسلام وغايته الإصلاح فهو ملك للجميع وينبغي أن يتسع للجميع، ولا ينبغي أن يُختزل في حزب أو يقتصر على فئة بعينها، وإذا أصبح عامل تفرقة ولم يحقق مقاصده، فذلك مؤشر على جمود وانغلاق وانحراف وإخفاق في صياغته صياغة وطنية مدنية إنسانية جاذبة، فهو بحاجة مستمرة إلى تطوير وتجديد وتقييم وتعديل كي يظل مواكبا للعصر، وإلا احتاج إلى صياغة جديدة. واضح أن المشروع الإسلامي قد تآكل وتجمّد وأنهكته عقود الصدام والتهميش والإستنزاف، وأصيب بعدد من التشوّهات لعل أخطرها تدحرجه منذ أمد ليس بالقصير من مشروع نهضة وإصلاح محوره الإنسان إلى مشروع سلطة محوره التنظيم، فلا يوجد عمل فكري ولا رؤية واضحة ولا تخطيط إستراتيجي ولا تنمية بشرية ولا تقويم. ذلك ما كشفه الربيع العربي الذي وضع الحركة الإسلامية على المحك وتحت المجهر، ومثّل لها أكبر اختبار وأكبر فرصة لتترجم مبادئها وشعاراتها إلى واقع ملموس. ولكن البداية الخاطئة والأداء المرتبك والضعيف كشفا أن الحركة -على وضعها الحالي- تفتقر إلى القدرة -وربما الإرادة- لتكون قاطرة النهضة العربية. كان الأمل أن تتبنى الحركة مقاربة وطنية وتراهن على الشعب لا على السلطة، وتعتمد على أطروحاتها ثم إنجازاتها لا على تنظيمها، وتغلّب المصلحة الوطنية وتزهد في المكاسب الآنية، وتحافظ على الوحدة الوطنية وتتعاطى مع الشعب بشفافية، فتتعزز مصداقيتها وتلتحم به وتقوده في مواجهة الأجندات الإقليمية والدولية لإخراج البلاد من التخلف والتبعية، وبالتوازي تعمل على تجديد هيكليتها وإحياء مشروعها والعودة به إلى الأصل بعدما أزيحت العقبة من طريقه. لم يكن ذلك الأمل واقعيا، وسارت الحركة في الاتجاه المعاكس بعدما أخطأت في قراءة الحدث "الذي أنقذها من مأزق"، فاعتبرته تتويجا لمسيرة ناجحة وبداية لموسم الحصاد، وهي قراءة تحول دون تقييم المسيرة وتصحيح المسار، ودون التخطيط والإعداد للمستقبل. افتقرت الحركة إلى رؤية وإستراتيجية واضحة ومشتركة تحتكم إليهما، وفاجأت المتابعين ليس فقط بنقص الخبرة والكوادر، ولكن بمواقف وقرارات وخطوات فيها من التذبذب والارتباك والتناقض ما لا يكاد ينتظمه سوى التشبث بالحكم، وانعكس ذلك في تصريحات لا تخفى فيها النشوة. وتصرفت الحركة كأنها أنجزت المطلوب، وكأنها لم تقم من أجل أهداف أكبر وأسمى من أن تحكم وتبقى في الحكم، وكأنها جاءت إلى الحكم بانقلاب لا بالانتخابات، وكأن الثورة ما قامت إلا لتغيير الوجوه وتمكين الحركة. رفع الربيع العربي عن الحركة الاضطهاد والمظلومية وأخرجها من السرية، وأعلنت تخليها عن فكرة الدولة أو الخلافة الإسلامية، فضعُفت بعض المرتكزات والعناصر الموحّدة للصف والتي حلّ محلها الوصول إلى السلطة والبقاء فيها والخوف من فقدانها ومن العودة إلى السجون والمنافي، فأصبح المشروع مشروع سلطة بامتياز، وأصبحت الحركة فريسة سهلة للابتزاز، خاصة بعدما تمزق الصف الوطني وتبخر الزخم الثوري وغرقت الحركة في تصريف الأعمال وحمّلت نفسها التركة الثقيلة وكبّلت نفسها بوعود غير واقعية. كل ذلك خفض سقف الثورة وأضعف موقف النظام الجديد في التعاطي مع الأطراف الإقليمية والدولية، واضطره إلى تنازلات وصفقات لا تخطئها العين، ثم استُدرِج إلى سياسة المحاور (التي وقعت فيها منظمة التحرير الفسلطينية وأضرت بالمنظمة وبالقضية)، واستنزفت الطاقات في صراع بائس (بين الأحزاب وداخلها) بين من يتلهف على السلطة ومن يخشى فقدانها، وهو صراع عضلات وماكينات انتخابية لا صراع أطروحات وإنجازات ومؤهلات. وفي النهاية وجد النظام الجديد نفسه ينفّذ أجندات إقليمية ودولية كان يفترض أن يتصدى لها مسنودا بشعبه، فكانت الاستمرارية الكاملة والمحيّرة في السياسات الاقتصادية والخارجية، مما جعله يكابد ليثبت اختلافه عن الأنظمة المخلوعة. فجأة أصبح السقف عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة، وأصبح يُستكثر على الشعب أن يطالب بأكثر من الحرية التي يُمنّ بها عليه رغم أنه انتزعها بنفسه، واعتُمد الولاء والترضيات والمحاصصة بدل الكفاءة في التعيينات، ثم كان التخبّط والسطحية في التعاطي مع بعض الملفات الحساسة، مما أضر كثيرا بمصداقية الحركة وتميّزها ورصيدها وبالثورة التي كانت بحاجة إلى تيار وطني جامع يقودها كما قادت الحركات الوطنية معركة التحرر والاستقلال.

                                                                                                             البلاد






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Adbox